مجلس نواب الشعب التونسيّ: مبادرة للتصدّي للأخبار الزائفة أم استغلال لانتهاك الحرّيات الأساسية؟

بالتزامن مع حالة الطوارئ التي تم تمديدها مؤخراً والظروف التي تشهدها تونس نتيجة تفشي وانتشار وباء كورونا (كوفيد-19)، قام عدد من النواب في 12 مارس الجاري بإيداع مقترح “مشروع قانون القذف الإلكتروني وبث الأخبار الزائفة عدد 29/2020بصورة استعجالية، بحجة مكافحة الأخبار والمعلومات الكاذبة عبر وسائل التواصل الإجتماعي،  والتي من شأنها التأثير على “الأمن والنظام العام”.

وعلى الرغم من أن التصدي للأخبار الزائفة وخاصة في ظل هذه الأزمة هو أمر مشروع، الاّ أن خطورة هذا المقترح تكمن في إنه يمّهد الطريق أمام المساس بحرية التعبير عن الرأي وتكميم أفواه الصحفيين والناشطين، إلى جانب ممارسة الرقابة عليهم وترهيبهم والحد من والوصول للمعلومات الضرورية لتوثيق أي انتهاكات قد تحدث خلال هذه الظروف.

 

لعلّ أهم ما أثار حفيظة وقلق المجتمع المدني والصحفيين هو استغلال الوضع الراهن لتمرير قانون زجري من شأنه التأثير على الحقوق والحريات العامة، الأمر الذي دفع عدد من النواب من مختلف الكتل النيابية إلى التراجع وسحب تواقيعهم بعد موجة الانتقادات التي طالتهم عبر مختلف وسائل التواصل الإجتماعي، وصولاً إلى إعلان النائب “المبروك كرشيد”، صاحب المبادرة في اقتراح مشروع القانون، عن سحبه وتراجعه عن المضي قدماً في تمرير هذا المقترح، على أن يتم إعادة طرحه بعد انتهاء الأزمة الوبائية.

لماذا يعد مشروع القانون خطيراً؟

واجه المقترح انتقادات واسعة من قبل مختلف الجمعيات والمنظمات الحقوقية والإعلامية إضافة إلى الهيئة الوطنية للمحامين ومختلف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. فهو يتعارض بشكل صارخ مع القوانين المحلّية وأحكام الدستور التونسيّ الذي كفل حرية الفكر والرأي والتعبير في كل من الفصل 31 و32، والفصل 49، ويتعارض أيضاً مع أحكام القانون الدولي والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليهما من قبل الجمهورية التونسية.

وفيما يلي أهم الفصول التي لها تأثير بالغ وخطير على حرية التعبير عن الرأي:

  1. جاء مشروع القانون لتجريم التعامل ونشر الأخبار الكاذبة عبر منصات ووسائل التواصل الإجتماعي، ولكنه يخلط بصورة واضحة ما بين التشهير الإلكتروني من جهة والأخبار الزائفة من جهة أخرى، حيث يمكن استغلال هذا الخلط لمعاقبة المعارضين والصحفيين والمدونين المنتقدين للحكومة أو المؤسسات والشخصيات العامّة.
  2.  يتناول الفصل 25 معدّل تعريفاً فضفاضاً للقذف أو التشهير الإلكتروني وهو “كل إفشاء لخطب كاذب أو مشكوك في صحته بين مستعملي الوسائل الإلكترونية ومرتادي منصات التواصل الإجتماعي، من شأنه أن يسيء إلى الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات بكل طريقة سواء كان ذلك الافتعال أو النشر أو التوزيع أو الإرشاد أليها بصفة أصلية أو عرضية“. الأمر الذي يهدد ترجمة وتأويل بعض العبارات في القانون مثل “مشكوك في صحته” و”النشر والتوزيع بصفة عرضية” لانتهاك الحقوق والحريات المكفولة في الدستور، خاصة وأن بعض هذه الأخبار لا تتجاوز كونها أخبار خاطئة لا تشكل تهديداً للأمن العام أو الدفاع الوطني.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتم تطبيق هذا النص لمعاقبة مستخدمي الإنترنت الذين يقوموا بمشاركة/ إعادة تغريد محتوى عبر منصات التواصل الإجتماعي

  1. الفصل 247 معدّل، يتناول العقوبات الزجرية التي سيتم تطبيقها في حال الإخلال بأحكام هذا المشروع والتي تجمع ما بين عقوبة تصل إلى السجن لمدة عامين، وغرامة تصل إلى عشرين ألف دينار تونسي وهي عقوبات مبالغ بها. كما تضاعف العقوبة في حال وقع التشهير من قبل شخصية مستترة، الأمر الذي يؤثر على حرية إخفاء الهوية  والتي اعتبرتها الأمم المتحدّة ضرورية لحماية الصحفيين والناشطين من الرقابة والاستهداف ووصفت “القوانين والممارسات والسياسات التي تحظر أو تقيد أو تقوض بأي شكل آخر إخفاء الهوية – باسم النظام العام – بأنها تسبب ضرراً جسيماً”. 

كيف يمكن محاربة الأخبار الكاذبة في ظل أزمة كورونا؟ 

تعتبر حرية التعبير من أهم المكاسب التي حققها الشعب التونسي بعد ثورة جانفي 2011، حيث ينص الدستور التونسي الذي عٌدّل عام 2014، على أن “حرية الفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة، ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات“. بناءاً على ذلك، نوصي ونأكد في اكسس ناو على الآتي:

 

  • عدم تجريم مشاركة المعلومات أو الأخبار الكاذبة أو غير الدقيقة حول فيروس  كوفيد-19 من قبل الدول. لا ينبغي اعتبار التركيز على تجريم الكلام أو استخدام تدابير قسرية أخرى ضد المعلومات أو الاتصالات الكاذبة فيما يتعلق بالوباء استجابة نسبية يمكن تبريرها من خلال الطوارئ الصحية العامة. كما أنّ القوانين الجنائية غير المتكافئة التي تحارب المعلومات الخاطئة التي يشاركها الأفراد في سياق كوفيد-19 أو غير ذلك، تخلق مساحة خطيرة لانتهاك حقوق الإنسان قد تتمثل في شكل ملاحقات أو استهداف غير مبرر للمعارضين والنشطاء والصحفيين.
  • تُظهر أمثلة مختلفة في جميع أنحاء العالم كيف تستخدم بعض الدول تدابير القانون الجنائي لاستهداف الصحفيين أو العاملين في مجال الرعاية الصحية — على وجه التحديد أولئك الذين سعوا لتبادل المعلومات المهمة أو انتقدوا الحكومات لعدم استجابتها الملائمة لأزمة  كوفيد-19. وبحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير والرأي، ديفيد كاي، فإن عدم وجود قيود لا يعني غياب الإجراءات. وكما هو مقترح في قرار مجلس حقوق الإنسان 16/18، يمكن للدول أن تتخذ خطوات فعاّلة على قدم المساواة في مكافحة المعلومات الخاطئة عن طريق توجيه رسائل عامّة قوية، عن طريق التعليم والتواصل الفعال أو عن طريق إعلانات الخدمة العامة المنتظمة على المستوى الوطني والمحلي.
  • ينبغي أن تمتنع الدول عن اعتماد تدابير قانونية جنائية تقييدية لمكافحة التضليل الذي يحيط بجائحة ووباء  كوفيد-19.
  • في أوقات الوباء العالمي مثل  كوفيد-19، يمكن أن تتمتع الحكومات بسلطات خاصة لإدخال تدابير استثنائية لمنع وتخفيف الأزمة الصحية، مع مراعاة القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدستورية المحلية الإضافية.
  • ضرورة إشراك منظمات ومكونات المجتمع المدني، ومختلف الأطراف المتأثرة بأحكام هذا المقترح، في استشارات وجلسات عامة طبقاً للإجراءات المعمول بها، بدلاً من أخذها من قبل طرف أحادي الجانب، ضماناً للمشاركة المجتمعية وتحقيقاً لمبدأ الديمقراطية.

في تونس، نجح المجتمع المدني في التحرك بسرعة من أجل التصدي لهذه المبادرة والتي تعد مثالاً ناجحاً يحتذى به. وخلال هذه الأزمة التي يشهدها العالم، ستستمر اكسس ناو في الدعوة إلى تشريع أطر قانونية مناسبة ومواكبة لما يحصل في العالم الرقمي وذلك لضمان ممارسة الحريات الأساسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم، كما تعرب عن استعدادها للتعاون مع صانعي السياسات والقرار الذين يساهمون في تطوير هذه القوانين في هذا الظرف الإستثنائي، من أجل ضمان تمرير قانون يحترم حقوق الإنسان والحريات العامّة.

 


Follow our work on the protection of digital rights in the context of the COVID-19 pandemic.