|

الإنترنت في اليمن: عمليات حجب ورقابة بعد انتقال الحرب على الإنترنت

إقرأ هذا المقال بالإنجليزية.

يعيش اليمن منذ سنة 2015 حرب مدمرة بين المتمرّدين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية. ووصفت الأمم المتّحدة هذه الأزمة بأنها أسوء أزمة إنسانية في العالم، حيث شهدت مقتل أو إصابة عشرات الآلاف من المدنيين وأدّت إلى تهجير 3.3 مليون آخرين، إضافة إلى معاناة 80 بالمائة من السكان من المجاعة وسوء التغذية ومن أمراض أخرى.

وكثيرا ما تمثّل مصير اليمنيين -الذين علقوا  في شباك هذه الحرب- في كونهم مجرّد وسائل مساومة بين أطراف النزاع. وتنعكس هذه الوقائع الفظيعة للحرب أيضا على شبكة الإنترنت والبنية الأساسية للاتصالات، حيث أصبحت هذه الفضاءات ساحة لمعارك بسط النفوذ والسيطرة، إضافة إلى استغلال الاتصال بالانترنت أو حجبه لخدمة أهداف عسكرية. ونتيجة لذلك، يحُرم الملايين من اليمنيين من حقوقهم في التواصل والوصول إلى المعلومات وتبادلها، والأهم من ذلك أنهم حُرموا من تقاسم واقعهم وتجاربهم التي يعيشونها، وهذا ما أدّى إلى زيادة تدهور ظروفهم.

عمليات الحجب والرقابة على الإنترنت

يُفيد تقرير #KeepItOn لسنة 2019 أن اليمن قد حاز على أكبر نصيب من حيث عدد عمليات حجب الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط، وفضلا عن هذا، وردت تقارير من عدّة مصادر موثوقة مفادها أن العدد الحقيقي لعمليات حجب الإنترنت في اليمن يتجاوز بكثير العدد الذي تم توثيقه. تملك السلطات اليمنية سجلا حافلا في قمع وانتهاك حرية التعبير والرأي يرجع إلى عهد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وقد اتّسم حكمه -الذي دام 30 سنة- بحجب مواقع الإنترنت وتعطيلها. وأفاد مركز الخليج لحقوق الإنسان أن التشريعات من قبيل قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 1990 قد تم استعمالها في اليمن مرارا وتكرارا ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وقد زاد تدهور الوضع أكثر عندما قتل الحوثيون الرئيس السابق علي عبد الله صالح في سنة 2017. وبذلك، ارتفع عدد عمليات تعطيل الشبكة مصحوبة بسلسلة من عمليات حجب وخنق الإنترنت التي يصعب إسنادها لطرف معيّن، ولكنّها على الأرجح من فعل الفصائل المتحاربة. وبغض النظر عن مكان عيش اليمنيين أو ميولاتهم السياسية، فإن عمليات الحجب هذه تتعارض مباشرة مع حقوقهم وتجعلهم عرضة للخطر. حتى هذا اليوم، لا يزال المواطنون في اليمن أنفسهم في الظلام ويعانون من تعتيم على شبكة الإنترنت أثناء الصراع القائم في ظل تفشي الوباء على نطاق عالمي.

وقد كان شهر جانفي/يناير 2020 بداية لفترة مظلمة للغاية في اليمن، حيث تسبّب الضرر الذي لحق أحد كابلات الألياف الضوئية تحت الماء، في مطلع الشهر، في خفض قدرة الإنترنت بنسبة 80 بالمائة. وتنسُب العديد من المصادر أن هذا الضرر يعود إلى أعمال تخريبية من فعل الحوثيين، ولكن بغض النظر عمن تقع على عاتقه مسؤولية ذلك أو ما الذي تسبب في الأمر، فإن الواقع يبقى أن اليمنيين قد انقطعوا عن بعضهم البعض وعن بقية العالم. وقد تفاقمت خطورة هذه الانقطاعات المستمرة للربط بالإنترنت بتواصل انتشار فيروس كوفيد-19.

معركة لبسط السيطرة على خدمات الإنترنت ومساهمة الارتفاع المشطّ في الأسعار في تعميق أزمة الإتصال بالإنترنت

عند بدء المظاهرات في اليمن في عام 2011، أصبحت ملكيّة خدمات وشركات الاتصالات مسألة سياسية، ووجدت الجهات التي تقدّم خدمات الاتصالات نفسها في صعوبات جمّة فيما يتعلّق بمواصلة إسداء الخدمات نظرا إلى الاضطرابات المدنية القائمة والتفجيرات العشوائية في البلاد علاوة على انقطاع الكهرباء والمزاعم المرتبطة بالأعمال التخريبية المتعمّدة التي استهدفت معدّات الألياف الضوئية. 

سبأفون هي أول شركة اتصالات تأسست في اليمن وهي كذلك أوّل من تعرّضت إلى المخاطر الناجمة عن ثورة فيفري/فبراير في سنة 2011. حيث شهدت الشركة عمليات إطلاق نار ومحاولات تفجير استهدفت مقرّها الرئيسي لأنّها كانت شركة مملوكة بحصة الأغلبية من طرف رجل السياسة اليمني الشيخ حميد الأحمر والذي كان معارضا لنظام علي عبد الله صالح في ذلك الوقت. وقد استولى الحوثيين في سنة 2015 على وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وشرعوا في غربلة مواقع إخبارية مختلفة وفرض رقابة عليها، ومن ثم بدأوا في نهاية المطاف بحجب الإنترنت كلّيا وقاموا بذلك عدّة مرّات. وفي أوائل هذه السنة، أقدمت شركة يمن نت للاتصالات، وهي شركة مملوكة من طرف الحكومة، على حركة فاجأت بها بقية شركات الاتصالات اليمنية، إذ رفعت في أسعار خدمات الإنترنت بشكل كبير وفرضت حدودا قصوى جديدة على البيانات. وقد مرّ سعر إحدى باقات الإنترنت التي تحظى بشعبية كبيرة من 115 دولار أمريكي مقابل سعة 450 غيغابايت إلى 160 دولار أمريكي مقابل سعة 400 غيغابايت أو 105 دولار أمريكي مقابل سعة 200 غيغابايت، وهذا ما يمثّل زيادة بـ50%. ومّما لا يُثير الدهشة، لم تحظ هذه الأسعار الباهظة بشعبية خاصة في ظلّ أزمة كوفيد-19، وبالتالي، أطلقت إحدى النقابات الوطنية التي تُعنى بالشبكات في اليمن حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد شركات الاتصالات باستخدام هاشتاغ يمن نت… ضد المواطن”. وقد قامت هذه النقابة أيضا برفع دعوى قضائية ضد وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لحمل الحكومة على شرح هذا الارتفاع المفاجئ والحاد في الأسعار بصفة غير مبرّرة. وتعني هذه الزيادات في الأسعار أن اليمنيين لن يكونوا قادرين على الاتصال بالإنترنت بصرف النظر عن عمليات التخريب المشبوهة وتدخّلات الحكومة في الارتباط بالشبكة.

عمليات الحجب تؤثر سلباً على  الصحّة العامة وحقوق الإنسان ويجب وضع حدّ لها

يكتسب الحق في الوصول إلى المعلومات، والذي هو أصلا حق أساسي، صبغة الأولوية القصوى في ظل هذه الأزمة العالمية للصحة العامة. وبالتالي فإن الوصول إلى خدمات إنترنت ذات جودة عالية وبتكلفة مناسبة من شأنه أوّلا إبقاء الناس على اطّلاع بالتحديثات المُتعلّقة بالتدابير الصحّية المتّخذة وثانيا الحصول على الأخبار ذات الصلة بحمايتهم وعائلاتهم. كما أنّ اليمن صاقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ سنة 1987 ويجب عليه الوفاء بالتزاماته، وهذا يعني أنه يجب على الحكومة تنفيذ أحكام هذا العهد نظرا إلى إلزامية احترام الحق في التعبير الذي تضمَنُه المادة 19 منه.

يُمكنكم مساعدتنا على الطعن في أي تعطيلات تواجهكم على مستوى الشبكة

يعمل ائتلاف مقاومة حجب الإنترنت (#KeepItOn) على جميع المستويات للضغط على الحكومات من أجل وضع حد لعمليات حجب الإنترنت ولتقديم الطعون القانونية بشأن عمليات الحجب إلى الهيئات الوطنية والدولية. كما يسعى الائتلاف إلى التوعية حول تأثير عمليات حجب الإنترنت في كافة أرجاء العالم. يُمكنكم مساعدة الائتلاف إن تعرّضتم إلى عملية حجب من خلال تقاسم قصصكم.

إن كنتم موجودين في اليمن، يُمكنكم استخدام هذه الاستمارة (متوفّرة أيضا باللغة العربية) لتقاسم قصصكم المتعلّقة بعمليات الحجب، ولا تتردّدوا في التواصل معنا…