رسالة من علاء عبد الفتاح إلى رايتس كون: أنتم – خلافاً لي – لم تهُزموا بعد.

يمكنكم قراءة النسخة الانجليزية لرسالة علاء إلى رايتس كون هنا

You can read the English version of Alaa’s letter to RightsCon here


حُكم على الناشط المصري علاء عبد الفتاح بالسجن خمس سنوات بتهمة “تنظيم مظاهرة عامة بدون تصريح” والتي انتقدت المحاكمات العسكرية للمدنيين. في كل عام في «رايتس كون RightsCon» ، تكرم  أكساس ناو  عمل علاء. هذا العام ، كتب رسالة إلى  «رايتس كون»  من خلف القضبان. فيما يلي الرسالة المرسلة من سجن طرة.

في ما يلي الرسالة، كتبت أصلاً باللغة الإنجليزية في سجن طرة وتم قراءتها – نيابة عن علاء – في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر – 29 مارس 2017:

الى مؤتمر «رايتس كون»

أبدأ هذا الأسبوع عامي الرابع في السجن.  ربما يُطلق سراحي في أكتوبر إذا قُبِلَ الطعن الذى قدمته، وربما لا.  ربما يُطلق سراحي في مارس 2019 بعد أن أكون قد نَفّذت مدة الحكم كاملة، وربما لا؛ فلا زال لديهم قضايا أخرى ضدى.  إذا تم إطلاق سراحى، فربما أتمكن من حضور هذا الملتقى، ولكن ربما لا أتمكن؛ فالحكم علىّ يمتد إلى خمسِ سنوات مراقبة بعد السجن، وبعدها، حين يتاح لي السفر، من يدري إن كنتم ستجدون مكانا لهذا الملتقى في بلد يمنح تأشيرات دخول لمن هم مثلى؟

لا أقصد أن أكون متشائماً؛ فقد يتحقق السيناريو الأفضل كما قد يتحقق السيناريو الأسوأ.  المشكلة الحقيقية هى أنه ليس هناك ما يمكن عمله للتأثير فى إمكانية حدوث أيّهما.

ولكن – فى الحقيقة – ليس هذا ما يقلقني؛ فنحن نعيش في أوقات شديدة الرجعية، وكانت هزيمتي حتمية.

ما يقلقني حقًا هو أننى حينما أتمكن أخيراً من حضور مثل هذا الملتقى، فقد أتسبب فى حرج شديد للمنظمين والحضور نتيجة حالتى المزرية.  ففي عزلتي هذه، لا أستطيع سوى تكوين صورة مفتّتة للعالم خارج السجن.  وفيما يتعلق بالتكنولوجيا، تعتمد تلك الصورة فقط على ما يمرره الإعلام الخاضع لسيطرة الدولة عن آراء وأفعال الحكومات والشركات الكبرى، وليس ما يفعله الناس ويقولونه.

غالباً لن تستمتعوا بالفُرجة على لوديّ يهذي مبشراً بعالم كابوسى تُسحَق فيه حقوق العمل على يد شركات ناشئة لا تخطط أصلًا لتحقيق ربح (أو دفع ضرائب) لكنها مع ذلك تستطيع جمع رأسمال كافي لإغراق الأسواق، وإرباك سلطات التنظيم والضبط، والتأثير على السياسات، والتقاضي إلى ما لا نهاية، ويظل لديها ما يكفي للإنفاق على حملات علاقات عامة تُصَوِّر كل هذا على أنه التأثير المزعزع المجيد للاقتصاد الجديد المبنى على الأعمال المؤقتة.  عالم كابوسى يزاح فيه النقاش الحر فى المجال العام، المبنى على الخبرة المشتركة بواقع شديد اللامركزية، ليحل محله شريط أخبار مميكن، يتم اختياره بواسطة خوارزمية غامضة، بناءً على دوائر أصدقاء الفرد واختياراته في متابعة المشاهير.

أراكم الآن وأنتم تتذمرون بينما أعبر عن قلقي من البرنامج الآلى الذي سوف يقرر أي الأخبار ليست كاذبة، والبرنامج الآلى الذى سوف يقرر أي سياسة هى الأفضل، وقلقى من قضية من يملك البيانات؟ ومن يتحكم في فضاء الإنترنت؟ وكيف حدث أن تخلينا عن الفكرة الروحانية القائلة بأننا نحتوى بداخلنا – منذ لحظة الولادة – على كل المعرفة الموجودة فى الكون؟  وكيف حلت محلها الفكرة – التى لا تقل روحانية – أن أسلوب التعلم الوحيد الذى نحتاجه هو الاستدلال البايزي Bayesian، وأن التجريد الوحيد الذي نحتاجه هو نموذج الهيكلة والتلخيص MapReduce.

حتى لا تعتبرونى مغالياً فى التشاؤم، سأقرّ بأن احتمالات تحقق هذا العالم الكابوسى لا تختلف عن احتمالات تحقق الرؤية اليوتوبية التى تؤكد أن الطائرات بدون طيار – القاتلة – سيتضح فى النهاية أنها مثل الروبوتات الطيّبة في سلسلة أفلام تيرمينيتور؛ وأن فيسبوك سينتصر على الأخبار الكاذبة بواسطة البرنامج الآلى TruthBot ورفاقه من البشريّين المستمتعين بعملهم كمشرفي محتوى فى أحدث مراكز الاتصال؛ وأن إيلون ماسك سيحل أزمة الطاقة العالمية، وبيل جيتس سيقضى على الجوع، وجوجل سيجد علاجًا للسرطان.  أما تأثير أوبر وفوكسكون على حقوق العمل فلن يكون ذا أهمية، فكلنا سنحصل على دخل أساسي موَحّد، وخطوط ائتمان مفتوحة، أو سيقوم كل منا بإنتاج العملات الرقمية Bitcoin التى يحتاج إليها.  الثورة المضادة لم تحدث قط، والأحلام الساذجة لمجتمعات الإنترنت المبكرة وحركة البرمجيات المجانية لم تضِع، إنما فقط تم تحديثها وتنظيفها وتجريدها من أي ملمح أيديولوجي لتصبح أكثر شمولاً.  أما حقيقة أن أحداً لم يعد يدفع الضرائب، فهذا لا يهدد الديمقراطية، حيث إنهم يتبرعون كثيراً للأعمال الخيرية.

نعم، هذه اليوتوبيا محتملة أيضًا، نفس احتمال رؤية تحالف يضم ترامب، والسيسي، ودوتيرتي، وأوربان، ومودي، وإردوجان، وبوتين، وبن سلمان، ومن يعلم فربما لوبين أيضًا… ويقود هذا التحالف العالم إلى عصر جديد من الرخاء والأمن والاستقرار والنمو المستدام.  نعم، قد يحدث هذا، فملايين وملايين يصدقون ذلك ولا يمكن أن يكونوا جميعًا مخطئين، أليس كذلك؟

ومع ذلك، فإن لديكم الفرصة للتأثير فى “أين يقع المستقبل؟” فى المساحة الواسعة بين هذه السيناريوهات بعيدة (أو قريبة) الاحتمال جميعاً.

صحيح أنه فى مسألة بسيطة مثل كيفية التوقف عن استخدام هاشتاج #FreeAlaa ليس لديكم قدرة تُذكر، لكن فى مسألة كون الإنترنت مساحة نتلاقى فيها لنتمتع ونؤكد ونمارس وندافع عن الحقوق والحريات الأساسية، فإن لديكم قدرة كبيرة.

فأنتم – خلافاً لي – لم تهُزموا بعد.

ليس لديّ الكثير لأقوله من باب النصح، فأنا – فى النهاية – منقطع الاتصال، ومعلوماتى متأخرة بعض الشيء.  أفضل ما يمكنني عمله أن أكرر موضوعات كنت أتطرّق إليها حين أشارك في مؤتمرات مشابهة في الماضي (أظن أن آخر مرة كانت في 2011):

1– أصلحوا ديمقراطيّتكم:  لطالما ظلّت هذه إجابتي على سؤال “كيف يمكننا المساعدة؟”  ولا زلت أؤمن أنها الإجابة الوحيدة الممكنة.  فالبلد الذي تعيشون فيه، وتعملون، وتصوّتون، وتدفعون الضرائب، وتنظّمون أنفسكم، هو الذي تتمتعون فيه بأقصى نفوذ.  ولكن أى انتكاسة لحقوق الإنسان في بلد عريق فى الديمقراطية ستستخدم بلا شك لتبرير انتهاكات أسوأ بكثير في المجتمعات حيث الحقوق أكثر هشاشة.  أتصور أن الأحداث الأخيرة أوضحت أن هناك الكثير مما يحتاج لإصلاح.  وأتطلع إلى الشعور بالإلهام لدى متابعة مجهوداتكم فى هذا الإصلاح.

2– لا تلعبوا لعبة الأمم:  نخسر الكثير حين تسمحون بأن يُستغل عملكم كأداة من أدوات السياسة الخارجية، مهما كان الائتلاف الحاكم عندكم الآن حميداً.  فنحن نخاطر بالكثير حين تصبح مناصرة حقوق الإنسان سلاحًا في حرب باردة (مثلما ضاعت الثورات العربية حين وجد الثوار أنفسهم مجندين دون قصد ودون علم في حروب بالوكالة بين قوى إقليمية).  فنحن إذ نمد أيدينا إليكم، لا نمدها بحثاً عن حلفاء أقوياء، بل لأننا نجابه المشاكل العالمية ذاتها، ونتشارك في قيم أساسية، ونؤمن إيمانًا راسخًا بقوة التضامن.

3– دافعوا عن التشابك والتنوّع:  لا يوجد أى تغيير فى هيكلة أو تنظيم الإنترنت يمكن أن يجعل حياتى أكثر أماناً. فكتاباتى على الإنترنت كثيرًا ما تستخدم ضدي في المحاكم وفي حملات التشويه، ولكنها ليست السبب فى محاكمتي. السبب هو نشاطي خارج الإنترنت.  قضى والدي الراحل فترة سجن مشابهة نتيجة لنشاطه، وكان ذلك قبل وجود الإنترنت.  ما نجح الإنترنت حقاً فى تغييره ليس الاحتجاج السياسى، بل الاحتجاج الاجتماعى.  لذا علينا حماية الإنترنت باعتبارها مساحة آمنة؛ يستطيع فيها الناس تجريب واختبار الهويات الجندرية والجنسية، استكشاف ما يعنيه أن تكون مثليًا أو امرأة معيلة أو ملحدًا أو مسيحيًا في الشرق الأوسط، وأيضًا ما يعنيه أن تكون أسودًا وغاضبًا في الولايات المتّحدة، أو أن تكون مسلمًا ومنبوذًا في أوروبا، أو أن تكون عاملًا في منجم فحم في عالم عليه أن يخفض من غازات الاحتباس الحراري.  كما أن الإنترنت هى الفضاء الوحيد حيث يمكن أن تلتقى جميع أشكال الوجود الفلسطينى.   فإذا عبرت عن هذه الأحوال المزعزعة بعنف رمزي، هل ستسمعونني للنهاية؟ هل ستحمونني من الملاحقة القضائية على يد النظام القائم ومن استغلال المتطرّفين الممولين بسخاء؟

4- أكّدوا على حقكم في أن تكونوا مبدعين وليس مستهلكين: فنحن نعشق هذه التقنية لأنها تسمح لنا أن نكون الممثلين على مسرحنا، والرواة فى حكاياتنا، والفلاسفة لخطابنا؛ لا أن نكون عين تتلقى الإعلانات، أو رقم لمنظّمي استطلاعات الرأي.  ابقوا الأمر هكذا من فضلكم.  ابقوه هكذا.