Tunisian Biometric ID and Passport

بطاقة التعريف البيومترية في تونس: خطر على الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية 

Read in English / للقراءة بالانجليزية

تتواصل مداولات الحكومة التونسية لأكثر من خمس سنوات حول القانون الجديد المتعلق ببطاقة التعريف البيومترية. إذ يتعين حاليا على كل مواطن تونسي يفوق عمره 18 سنة أن يحمل بطاقة تعريف وطنية،غير أنّه بموجب مشروع القانون الجديد فعلى كل مواطن يفوق عمره 15 سنة أن يُقدّم لوزارة الداخلية كل من بصماته وصورته الشخصية، وهو ما سيؤدي إلى جمع كل المعطيات الحسّاسة للمواطنين والمواطنات كافة في مكان واحد لغرض التعرف على الأشخاص في إطار “الإدارة الإلكترونية”.

وتشكل بطاقة التعريف البيومترية الجديدة هذه خطرا و تهديدا كبيراً للحق في الخصوصية وغيره من الحقوق الأساسية في تونس، حيث تستند إلى قانون يتعلق بحماية المعطيات الشخصية تجاوزه الزمن إضافة لافتقار المشروع للضمانات الكافية لحماية الخصوصية. 

 ماهي بطاقة التعريف البيومترية وما أهمية هذا المشروع 

في شهر أوت 2016، أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن مشروع قانون جديد يقضي باستبدال بطاقات التعريف المعمول بها حاليا ببطاقات تعريف بيومترية حاملة لشريحة إلكترونية. وحيث لم ير المشروع النور آنذاك، أعلنت الوزارة في 17 جانفي 2022 بأنها ستستأنف العمل على مشروع بطاقة التعريف البيومترية. 

تمثل بطاقة التعريف الوطنية وثيقة أساسية يُفرض حملها على كل تونسي يفوق عمره 18 سنة (بموجب القانون رقم 27 لسنة 1993)، ويعد مخالفا للقانون كل من لم يلتزم بذلك. وعليه، سيُضطرّ كل التونسيين إلى إعطاء بياناتهم البيومترية للدولة، بما في ذلك بصماتهم، بغية الحصول على بطاقة تعريفهم الورقية أو تجديدها. ووفقا لمسؤولين في وزارة الداخلية، سيقع إنشاء قاعدة بيانات بيومترية لتجنب استنساخ بطاقة تعريف مفقودة أو مسروقة.

لم تُشر الوزارة إلى ما إذا كانت بصدد العمل على مشروع قانون جديد أو لا. كما أنها لم تنشر لا في المنابر العامة أو الخاصة مسودة القانون على الرغم من المشاورات التي أجرتها مع منظمات المجتمع المدني. وأثارت الصيغ السابقة لمشروع القانون مخاوف بالغة جراء المواد الغامضة التي أدرجت في القانون وضعف شفافيتها. فعلى سبيل المثال، لم تحدّد أي من الصيغ السابقة للمشروع مكان حفظ البيانات البيومترية ومدة الاحتفاظ بها والجهات التي يُرخص لها الاطلاع عليها وآليات تأمين قاعدة البيانات. وخلال السنوات الأخيرة، أثارت كل من منظمة أكساس ناو ومؤسسات المجتمع المدني في تونس مرارا وتكرارا هذه المسائل ولكن لم يصدر عن الحكومة التونسية أي رد أو توضيحات بهذا الخصوص. 

وفي نفس السياق، يظل السبب الرئيسي الذي استندت إليه وزارة الداخلية لتبرير تطوير وتنفيذ هذا المشروع المُكلف في تونس غامضا. إذ تعتزم الوزارة حاليا الجمع بين بطاقة التعريف البيومترية و جواز السفر البيومتري بحجة الوفاء بالتزامات تونس الدولية، لا سيما إزاء تعليمات المنظمة الدولية للطيران المدني (الوثيقة 9303) والتي تقضي بانطلاق العمل بوثائق سفر قابلة للقراءة الآلية تحمل شريحة تحتوي على بيانات بيومترية بحلول سنة 2024. ولكن بحسب المنظمة، لا مبرر لإجبار التونسيين على الحصول على بطاقة تعريف بيومترية من أجل الحصول على جواز سفر بيومتري. 

إلى جانب عدم تناسب بطاقة التعريف البيومترية مع الاحتياجات التي ذكرها المسؤولون التونسيون، فهي أيضا تعرض خصوصية المعطيات الشخصية للتونسيين والتونسيات وأمنهم إلى خطر كبير. إذ تُعتبر البيانات البيومترية التي سيقع حفظها داخل الشريحة الموجودة بالبطاقة وفي قاعدة البيانات، على غرار البصمات والصور الشخصية، بيانات شخصية حساسة تستوجب رفع سقف الحماية، في حين أنه لا أثر لأي تدابير قانونية أو تقنية في هذا المشروع لضمان حماية هذه البيانات. وعلى عكس بقية المعطيات الشخصية، لا يمكن تغيير البيانات البيومترية في حال سرقتها أو تسريبها، ولا يمكن جبر الضرر في حال وقوعه. لهذا تدعو منظمة أكساس ناو الحكومات والجهات القائمة والمموّلة إلى وقف تعميم نُظم بطاقة التعريف البيومترية واستخدامها.

و يتفاقم الخطر في غياب الضمانات الكافية لحماية البيانات في تونس. فقد عفا الزمن على قانون سنة 2004 المتعلق بحماية المعطيات، كما أنه لا يعالج خصوصية البيانات البيومترية، ناهيك عن عدم تماشيه مع الالتزامات الدولية لتونس فيما يتعلق بحماية المعطيات الشخصية، خاصة منها اتفاقية حماية الأفراد فيما يتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات الشخصية (الاتفاقية 108) التي صادقت عليها تونس سنة 2017. علاوة على ذلك، تعرضت المنظومة المعلوماتية في تونس عدة مرات لهجمات إلكترونية، واستهدفت آخر هذه الهجمات البنك المركزي التونسي، حيث أصدرت وزارة تكنولوجيات الاتصال بيانا في وقت لاحق لتحذير المؤسسات المالية العامة والخاصة من مخاطر هجمات برمجيات الابتزاز (ransomwares) التي شكلت خطرا حقيقيا في الهجمة التي استهدفت البنك المركزي.

تبرز جميع العوامل المذكورة آنفا مخاطر العمل بمشروع بطاقة التعريف البيومترية بصيغته الحالية، سواء من الناحية القانونية أو على الصعيد الأمني. إذ من شأن هذا المشروع أن يمكن الجهات الحكومية التي تمتلك حق الولوج إلى قاعدة البيانات من تصنيف للمواطنين ومراقبتهم مراقبة شاملة. ومن شأن هذه المنظومة الرقمية أن تمسّ بشكل كبير من الحق الأساسي للمواطنين والمواطنات التونسيين في الخصوصية. 

تُعتبر المشاورات العامة والحوار مع المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية والخبراء المعنيين ضمانا ضروريا ليكون هذا القانون المتعلق بشكل مباشر بالحق في الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية، مكرسا للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وامتثالا لدستور سنة 2014 الذي ينص في الفصل 24 منه على أن الدولة “تحمي الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية.”

بالإضافة إلى ذلك، يخيم غياب الشفافية على الميزانية المخصصة للمشروع. إذ أفادت الوزارة في مارس 2021 بأن التكلفة تُقدر بـ 45 مليون دينار تونسي، مُخصصة للمشروع منذ سنة 2015. ولكن حين طرحت منظمة أكساس ناو السؤال في ورشة عمل عُقدت في شهر فيفري 2022، ردت الوزارة بأن المبلغ يقدر حاليا بقرابة 60 مليون دينار، في حين لم يقع تخصيص هذا المبلغ ضمن ميزانية الدولة لسنة 2022. وهذا ما من شأنه أن يقوّض جدوى المشروع ويثير التساؤلات حول ما إذا كانت الوزارة تعتزم القيام بتنازلات لتطبيق المشروع على الرغم من قلة الموارد، وهو ما يزيد من مخاوفنا إزاء الخطر الذي قد يشكله على الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية في تونس. 

المحطات التي مر بها المشروع إلى حد الآن:

منذ طرحه لأول مرة في تونس سنة 2016، طرأت على مشروع بطاقة التعريف البيومترية عدة تغييرات وظهر في صيغ مختلفة، إلا أنه لم يتم إقراره بعد. 

رغم ذلك لم تكن كل هذه السنوات كفيلة بتغيير اليقظة والحرص في صفوف المجتمع المدني الذي يعمل على حماية الحق في الخصوصية وغيرها من الحقوق الأساسية في تونس. 

وفيما يلي لمحة عن المراحل التي مر بها المشروع إلى حد الآن:

ما هي الخطوات التالية وكيف يمكنك المساعدة

على امتداد سنوات، حذرت منظمة أكساس ناو وشركاؤها في تونس من مغبة هذا المشروع الخطير. رغم هذا، لا تزال وزارة الداخلية مصرة على تنفيذ مشروع بطاقة التعريف البيومترية في تونس، ولكن السؤال يبقى مطروحا:كيف لاستبدال بطاقة التعريف في شكلها الحالي أن يخدم الصالح العام، خاصة في ظل غياب الضمانات المناسبة لحماية الخصوصية والأمن الرقمي؟ 

كما لا يجب تمرير هذا المقترح في إطار الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس وفي غياب الشفافية والمشاورات الحقيقية مع المجتمع المدني، وباعتبار ما يشكله المشروع من خطر وتهديد حقيقي للحقوق الأساسية في تونس، ندعو وزارة الداخلية إلى التعجيل بسحبه وعدم اعتماده. 

ونظرا لتصاعد وتيرة الهجمات الإلكترونية التي تستهدف المؤسسات التونسية، آن الأوان لكي تعطي السلطات التونسية الأولوية لاعتماد إطار قانوني مُحكم لحماية المعطيات الشخصية والذي من شأنه أن يضمن توفير الحماية المناسبة لخصوصية المواطنين والمواطنات التونسيين

وتظل منظمة أكساس ناو على استعداد للانخراط في جهود الحكومة التونسية والجهات المعنية الرامية إلى إحراز التقدم على مستوى حماية المعطيات الشخصية في تونس وخارجها.